بقلم : علي فتحي
ما حدث في سوريا والعراق وليبيا وتونس والسودان واليمن لم يكن انتصارًا حقيقيًا للشعوب بل كان في جوهره انتصارًا لمصالح القوى الدولية التي تسعى إلى إعادة رسم الخرائط السياسية في المنطقة وفقًا لأهدافها الاستراتيجية ففي كل من هذه الدول كانت الحركات الشعبية تتطلع إلى تغيير جذري يعيد لهم حقوقهم ويحقق تطلعاتهم في العيش بكرامة واستقرار إلا أن التدخلات الخارجية سواء كانت سياسية أو عسكرية غالبًا ما كانت تهدف إلى توجيه الأحداث لخدمة مصالح خارجية بعيدًا عن تطلعات الشعوب ، ففي سوريا انطلقت الثورة ضد نظام الأسد في عام 2011 مع مطالب شعبية بالحرية والعدالة لكن مع تطور الأحداث أصبحت سوريا ساحة لصراعات دولية وإقليمية حيث تدخلت قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا لدعم أطراف متنازعة في الحرب التدخلات العسكرية والسياسية أسفرت عن تدمير هائل في البنية التحتية للبلاد حيث استفادت بعض القوى الدولية من الفوضى لتحقيق مكاسب استراتيجية سواء من خلال النفوذ السياسي أو السيطرة على الموارد الطبيعية في البداية بدا أن الشعب السوري قد نجح في تحدي النظام ففي الأيام الأولى من الثورة كان هناك شعور عام بأن النظام على وشك السقوط وأن سوريا ستتحرر من حكم الأسد في فترة زمنية قصيرة هذا التفاؤل كان مدفوعًا بالاحتجاجات الواسعة التي اجتاحت المدن السورية والتي كانت تعبر عن رغبة عارمة في التغيير إلا أن معركة الشعب السوري من أجل الحرية تم تأجيجها وتوجيهها من قبل القوى الكبرى في العالم التي تدخلت بشكل مباشر لتغيير مجريات الأحداث سواء عبر الدعم العسكري أو السياسي للأطراف المتنازعة .
إن الدور الدولي كان حاسمًا في تحويل الثورة السورية من احتجاجات سلمية إلى حرب أهلية دموية بينما دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها المعارضة السورية في بداية الصراع قامت روسيا وإيران بتقديم الدعم الكامل لنظام الأسد لضمان استمراره في السلطة هذا الصراع على الأرض السورية بين القوى الدولية جعل من سوريا ساحة حرب مفتوحة حيث أصبح الشعب السوري ضحية لتقاطع مصالح خارجية أكثر من كونه محركًا رئيسيًا للأحداث النتيجة كانت كارثية حيث دمرت المدن السورية بالكامل وتشرد الملايين من المواطنين بينما تحولت سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية في حين أن بشار الأسد قد تمكن من الحفاظ على حكمه بفضل التدخلات الخارجية إلا أن الشعب السوري لم يكن له دور حقيقي في تحديد مصيره وما كان في البداية ثورة من أجل الحرية تحول إلى صراع طويل الأمد جعل أي أمل في التغيير الحقيقي أمرًا بعيد المنال وفي النهاية لم تتحرر سوريا من حكم الأسد كما كان يتمنى الشعب السوري في بداية الأحداث بل كان النظام يزداد قوة بفضل الدعم الدولي بينما كانت تزداد معاناة الشعب ما كان يُعتقد أنه انتصار للشعب في البداية تحول إلى فوضى مدمرة حيث تداخلت المصالح الدولية لتعيد تشكيل سوريا على أسس جديدة بعيدًا عن تطلعات الشعب ، ففى العراق كان الاجتياح الأمريكي عام 2003 تحت ذريعة البحث عن أسلحة دمار شامل بمثابة بداية مرحلة جديدة من الفوضى الحرب أفرزت معانات كبيرة للشعب العراقي حيث شهدت البلاد انهيارًا في كل قطاعات الدولة تقريبًا بينما كانت القوى الكبرى تعمل على إعادة تشكيل النظام السياسي بما يخدم مصالحها العنف الطائفي والتمزق الداخلي كانا نتيجة مباشرة للسياسات التي فرضتها القوى الغربية ولم تكن الديمقراطية الموعودة أكثر من واجهة سياسية تُخدم بها مصالح الشركات العالمية والمنظمات الدولية.
أما في ليبيا فقد كانت انتفاضة 2011 ضد القذافي بداية لتدخل عسكري غير مسبوق من حلف الناتو وبينما كانت الأسباب الرسمية للتدخل تركز على حماية المدنيين تبين لاحقًا أن المصالح النفطية والجيواستراتيجية كانت الدوافع الرئيسية رغم أن النظام الديكتاتوري قد تم إسقاطه إلا أن البلاد غرقت في صراع طويل بين ميليشيات مختلفة حيث أثرت التدخلات الخارجية في استمرار النزاع والفوضى في ليبيا تاركة الشعب الليبي في دوامة من العنف وعدم الاستقرار ، أما تونس التي كانت البداية الحقيقية للربيع العربي حققت تحولًا سياسيًا ناجحًا نسبيًا بالمقارنة مع الدول الأخرى لكن حتى في تونس كانت هناك تأثيرات قوية من القوى الغربية على المسار السياسي الدعم المالي والسياسي الذي تلقته بعض القوى التونسية في فترة ما بعد الثورة لم يكن دائمًا لصالح الشعب التونسي بل كان يهدف إلى ضمان استقرار سياسي يعكس مصالح الغرب وهو ما تجسد في العديد من السياسات الاقتصادية التي أُملَت على الحكومة التونسية.
وفي السودان كانت الثورة ضد البشير في 2019 نتيجة لتراكمات من القمع والمعاناة الشعبية ورغم أن الشعب السوداني كان يسعى لإحداث تغيير حقيقي إلا أن القوى الإقليمية والدولية كانت تتدخل بشكل مباشر مما جعل السودان في مفترق طرق بين الأجندات الداخلية والخارجية التدخلات الخارجية التي سعت إلى ضمان مصالحها في السودان حالت دون الوصول إلى استقرار سياسي حقيقي الدعم العسكري والاقتصادي من دول مثل السعودية والإمارات لعب دورًا كبيرًا في تغيير مجريات الأمور بما يتماشى مع مصلحة هذه الدول ، أما في اليمن فقد كان الصراع أكثر تعقيدًا حيث بدأ بصراع داخلي بين الحوثيين والحكومة اليمنية لكن سرعان ما تدخلت القوى الإقليمية في الحرب التدخل السعودي والذي كان مدعومًا من الغرب لم يُسهم في جلب السلام بل أسهم في تعزيز الانقسام الداخلي الحرب أودت بحياة الآلاف ودمرت البنية التحتية للبلاد بينما كانت القوى الكبرى تتخذ من الحرب وسيلة لتحقيق مصالحها السياسية في المنطقة وعلى رأسها ضمان السيطرة على الممرات المائية والموارد.
ما يجمع هذه التجارب هو أن الشعوب في هذه الدول لم تكن فقط ضحية لأنظمتها السياسية بل أيضًا ضحية للصراعات الإقليمية والدولية التي تدخلت لتغيير أنظمة الحكم بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية التحولات السياسية التي حدثت لم تكن في الغالب لصالح المواطن العربي بل غالبًا ما كانت لمصلحة القوى الكبرى التي تسعى لتحقيق أهدافها على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة ، وتبقى الشعوب العربية هي الخاسر الأكبر حيث تستمر في دفع ثمن الصراعات التي لم تكن هي من بدأتها ولا هي من تقرر مسارها .
تعليقات
إرسال تعليق