القائمة الرئيسية

الصفحات

"أرض الصومال وشبح الهيمنة الإثيوبية"


بقلم : على فتحى


على الساحل الشمالي للصومال، تمتد أرض الصومال كإقليم يحمل طموحات دولة مستقلة، وهو واقع تكرّس منذ إعلانها الانفصال عن الصومال في عام 1991.

 ورغم الإنجازات التي حققتها على المستوى الداخلي، إلا أن الاعتراف الدولي ما زال بعيد المنال ففي هذا المشهد، تلعب إثيوبيا دورًا محوريًا، إذ إن تدخلاتها في الإقليم تثير تساؤلات حول مدى استقلالية قراراته ومستقبله السياسي والاقتصادي.


منذ انهيار الحكومة المركزية في مقديشو، أصبحت أرض الصومال نموذجًا للاستقرار النسبي مقارنة ببقية المناطق الصومالية ، حيث تمكن الإقليم من بناء مؤسسات سياسية ديمقراطية، شملت نظامًا انتخابيًا وتداولًا سلميًا للسلطة ، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، فإن المشهد السياسي الداخلي ليس خاليًا من التحديات ، فعلى صعيد الأحزاب يدعم حزب كولمية الحاكم الانفصال بشكل قوي، معتبرًا أن الاستقلال يمثل حقًا تاريخيًا وسياسيًا ، وفي المقابل يرى حزب وداني المعارض أن الأولوية يجب أن تكون للتنمية الاقتصادية قبل التركيز على تحقيق الاعتراف الدولي ،بينما يدعو حزب العدالة والتنمية إلى تحقيق الاستقرار الداخلي والتفاوض مع المجتمع الدولي قبل اتخاذ خطوات أحادية قد تؤدي إلى عزلة الإقليم.

ومع تعقيد المواقف الداخلية، يظهر العامل الخارجي بوضوح في صورة إثيوبيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في أرض الصومال حيث ترى أديس أبابا في الإقليم فرصة استراتيجية، خاصة في ظل موقعه الجغرافي الحيوي. 

فمن الناحية الأمنية، تقدم إثيوبيا نفسها كشريك في محاربة الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب، لكن هذا الدعم يُنظر إليه أحيانًا كغطاء لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا بين سكان الإقليم.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن ميناء بربرة يمثل نقطة جذب رئيسية لإثيوبيا، التي لا تملك منفذًا بحريًا، ومن خلال استثماراتها في البنية التحتية للميناء، بالتعاون مع شركاء دوليين مثل "موانئ دبي العالمية"، تحاول إثيوبيا ضمان استمرار تدفق صادراتها ووارداتها عبر هذا الممر الحيوي ومع ذلك، فإن هذا الدور يثير تساؤلات حول مدى استقلالية أرض الصومال اقتصاديًا، خاصة مع اعتمادها الكبير على تحويلات المغتربين والمساعدات الخارجية.

ورغم ما يبدو من استفادة متبادلة بين أرض الصومال وإثيوبيا، فإن التدخل الإثيوبي يُشكل تهديدًا لاستقلال القرار السياسي للإقليم.

 هنا يبرز السؤال: كيف يمكن للإقليم أن يقطع يد إثيوبيا ويضمن استقلاليته؟ الإجابة تكمن في العمل على عدة محاور. 

أولاً، يجب تعزيز الوحدة الوطنية بين مختلف الأطراف السياسية والعشائرية في أرض الصومال، بما يضمن توحيد الرؤية حول مستقبل الإقليم .

ثانيًا، يجب تقليل الاعتماد على إثيوبيا من خلال تنويع الشراكات الاقتصادية، خاصة مع الدول العربية والإفريقية والدول الخليجية، على سبيل المثال، يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في دعم الإقليم اقتصاديًا عبر استثمارات مباشرة، مما يقلل من الحاجة إلى الدعم الإثيوبي.

إلى جانب ذلك، يجب أن تركز أرض الصومال على بناء قدراتها الذاتية، سواء في مجال الأمن أو الاقتصاد فالاستقلال الحقيقي لا يتحقق فقط بإعلان الانفصال، بل ببناء مؤسسات قوية وقادرة على مواجهة التدخلات الخارجية كما أن تعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي، عبر الحوار والديبلوماسية، يمكن أن يُسهم في كبح النفوذ الإثيوبي.

وعلى الصعيد الإقليمي، تحتاج الدول الإفريقية والعربية إلى تبني موقف واضح من التدخلات الإثيوبية في أرض الصومال فالتوسع الإثيوبي في المنطقة لا يقتصر على الإقليم فقط، بل يمتد ليشمل مناطق أخرى في القرن الإفريقي كما أن الضغط الدبلوماسي على إثيوبيا من خلال الاتحاد الإفريقي ومنظمات إقليمية أخرى يمكن أن يُسهم في تقليل نفوذها.

ورغم التعقيدات، فإن مستقبل أرض الصومال يظل مرهونًا بقدرتها على تحقيق توازن بين طموحاتها السياسية ومصالحها الاقتصادية وبينما يبقى الانفصال هدفًا لبعض الأطراف، إلا أن الحفاظ على وحدة الصومال عبر نموذج فيدرالي عادل يمكن أن يكون الخيار الأكثر استدامة فالصومال الموحد والقوي هو ضمان لاستقرار المنطقة بأسرها، بينما يؤدي الانفصال إلى فتح أبواب جديدة للنزاعات الإقليمية التي قد تستمر لعقود.

تعليقات