القائمة الرئيسية

الصفحات

الدكروري يكتب عن أداء الطاعة والبعد عن المعصية


بقلم / محمـــد الدكـــروري


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، ثم أما بعد إن ما يدل على أن أداء الطاعة والبعد عن المعصية من المكاره والمشاق التي يحتاج المسلم إلى كثير من الصبر معها، ولكن من تقرب من الله تعالي وقويت به صلته زالت عنه تلك المشقة، فاتعظ أيها المسلم واصبر، واشكر، ولا تجزع، ولا تشكو همّا أصابك لبشر، وارضي بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، وإن أصابك خطب استرجع وقل إنا لله وإنا إليه راجعون، وتذكر أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك، فإن الصبر نصف الإيمان، وركن من أركان الرضوان، وطريق الوصول إلى الرحمن، فلا عجب إذ أكد المولى سبحانه وتعالى في طلبه، وجعله من عزم الأمور، ورتب عليه مزيد حبه وقربه.




ووعد مَن اتصف به عظيم الأجور، وجعله في هذا الوصف الجليل شريك الأنبياء والمرسلين، فإنهم صلوات الله وسلامه عليهم أشد الناس بلاء وأعظمهم محنة، ما من رسول إلا أوذي بأنواع الأذى، وأصيب بأنواع الشدائد، فما كلت له عزيمة، ولا ضعُفت له قوة، ومثلهم عباد الله المقربون، ولقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن قومه ما يُفتت الأكباد ويذيب القلوب، فما جزع ولا قلق، وما كان جوابه إلا أن يقول " اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون" فإنك تعمل كل جهدك لكي لا تقع في ما حرم الله عليك، هذا إذا كنت صادقا، لهذا يقول سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الزمر " والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " والذي جاء بالصدق، هو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هم المؤمنون الذين اتبعوا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصدقوا في ذلك. 




ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقين عند الله، فيقول "من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة" وإن الرضا بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا المقصود منه، أن ترضى وأنت صادق مع الله، وهذا الرضى مع الصدق، هو الذي يجعلك تتحمل جميع المشاق في سبيل أن تصدق مع الله، وأن ترضيه، وهذا هو الذي فعله سلفنا الصالح، الذين صدقوا مع الله، واخلصوا له، فإن خبيب بن عدي أخذه كفار مكة، وصلبوه على الخشبة، وأرادوا قتله، وقال له أبو سفيان وكان كافرا حينئذ، قال له يا خبيب أترضى أن يكون محمد مكانك، وتنجو أنت؟ فانظر إلى الرد وتعلم الصدق، فإذا به يقول والله ما أرضى أن يشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة وأنا حي، فكيف أرضى بأن يكون مكاني؟ 




يعني أنا فداء لشوكة تصيبه لا أرضى بها، وانظر إلى المرأة المسلمة في غزوة أحد تأتي من بعيد بعد أن سمعت بهزيمة المسلمين، فيقال لها قتل زوجك، فتقول وأين رسول الله؟ فيقال لها وقتل أبوك، فيقول وأين رسول الله؟ فيقال لها وقتل ابنك، وقتل أخوك، فتقول وأين رسول الله؟ حتى إذا رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبلت عليه، وأمسكت بثوبه، وقالت كل مصيبة بعدك جلل، أي كل مصيبة بعدك هينة، وإن قتل الزوج والابن والأب، فما دمت أنت حيا، فكأن أحدا لم يقتل، فهل هناك أعظم من هذا الصدق؟ فما أعظم الصدق مع الله، وما أعظم الإيمان به، فإننا دخلنا في الإيمان ونحن أسعد الناس بهذا الإيمان، ولو لم يكن لنا في الحياة، لو لم يكن لنا مال ولا بنون ولا زوجات، ولا أولاد، ولا أي شيء نتمتع به إلا أن نشعر بأن قلوبنا مليئة بحب الله، والخوف منه، وأن ألسنتنا مرطبة بذكره. 





وأن الله أمتن علينا بمعرفته، وأكرمنا بالنطق بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولو لم يكن لنا إلا ذلك لكان أكبر سعادة لنا في الدنيا والآخرة، إنها نعمة عظيمة علينا، أن جعلنا الله تعالى من المسلمين المؤمنين.

تعليقات