القائمة الرئيسية

الصفحات


بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 30 يوليو 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، إن العبد إذا أيقن بأن الأجل محدد، وأن الرزق مقدر، واطمأن قلبه بذلك فإنه لن يجزع من فقر أصابه، أو جائحة أتلفت ماله، ولن يشغل نفسه بالدنيا عن عمل الآخرة لأنه يعلم أنه مهما سعى واجتهد وأجهد نفسه فلن يكتسب إلا ما كُتب له، والمؤمن الحق الذي يفهم قضية الرزق فهما صحيحا لن تستشرف نفسه ما في أيدي الناس، ولن تتطلع عينه على ما في خزائنهم، ولن تمتد يده إلى ما حرم الله تعالى عليه مهما كلف الأمر لعلمه أن الذي خلقه سيرزقه.




ولن يبث شكايته للناس لعلمه أنهم لا يرزقون أنفسهم فضلا عن أن يرزقوا غيرهم، ومن أخلّ بذلك فهو ضعيف الإيمان، ولا سيما إذا كان يقرأ ويفهم قول الله سبحانه وتعالى " وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " ومن استعجل الرزق بالحرام مُنع الحلال، فعن علي رضي الله عنه أنه دخل مسجد الكوفة فأعطى غلاما دابته حتى يصلي، فلما فرغ من صلاته أخرج دينارا ليعطيه الغلام، فوجده قد أخذ خطام الدابة وانصرف، فأرسل رجلا ليشتري له خطاما بدينار، فاشترى له الخطام، ثم أتى فلما رآه علي رضي الله عنه، قال سبحان الله إنه خطام دابتي، فقال الرجل اشتريته من غلام بدينار، فقال علي رضي الله عنه سبحان الله أردت أن أعطه إياه حلالا، فأبى إلا أن يأخذه حراما.


وقيل أنه جاء مجموعه من الشعراء على هشام بن عبد الملك وكان بينهم الشاعر عروه بن أذينة فلما دخلوا عليه عرف عروه فقال ألست القائل لقد علمت وما الإسراف من خُلقي، أن الذي هو رزقي سوف يأتيني، أسعى إليه فيعييني تطلبه، ولو قعدت أتاني لا يعنيني، وأراك قد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق فقال له يا أمير المؤمنين زادك الله بسطة في العلم والجسم ولا ردّ وافدك خائبا والله لقد بالغت في الوعظ وأذكرتني ما أنسانيه الدهر وخرج من فوره إلى راحلته فركبها وتوجه راجعا إلى الحجاز فلما كان في الليل ذكره هشام وهو في فراشه فقال رجل من قريش قال حكمه ووفد إلي فجبهته ورددته عن حاجته وهو مع ذلك شاعر لا آمن ما يقول فلما أصبح سأل عنه فأُخبر بانصرافه فقال لا جرم ليعلم أن الرزق سيأتيه. 





ثم دعا مولى له وأعطاه ألفي دينار وقال الحق بهذه ابن أذينة وأعطه إياها، قال الرجل فلم أدركه إلا وقد دخل بيته فقرعت الباب عليه فخرج إلي فأعطيته المال فقال أبلغ أمير المؤمنين قولي سعيت فأكديت ورجعت إلى بيتي فأتاني رزقي، ولطالما عرفت أن الآجال والأرزاق مكتوبة ومحسوبة فادفع همهما عن نفسك، وقيل مر إبراهيم بن أدهم على رجل ينطق وجهه بالهم والحزن فقال له إبراهيم يا هذا إني أسالك عن ثلاثة فاجبني، فقال له الرجل نعم فقال له إبراهيم أيجري في هذا الكون شي لا يريده الله ؟ فقال لا قال أينقص من أجلك لحظة كتبها الله تعالي لك في الحياة ؟ قال لا، قال أينقص رزقك شي قدره الله، قال لا، قال إبراهيم فعلام الهم إذن ؟ فدع المقادير تجرى في أعنتها ولا تنامن إلا خالي البال، ما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال.

تعليقات