القائمة الرئيسية

الصفحات

الدكروري يكتب عن الهجرة النبوية من مكة المشرفة


بقلم / محمـــد الدكـــروري


الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد لقد كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثًا تاريخيا عظيما، ولم تكن كأي حدث، فقد كانت فيصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكية والمرحلة المدنية، وإذا كانت عظمة الأحداث تقاس بعظمة ما جرى فيها والقائمين بها والمكان الذي وقعت فيه، فقد كان القائم بالحدث هو أشرف وأعظم الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.




ولا أشرف مكانا وأعظم من مكة والمدينة، وقد غيرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طياتها معاني التضحية والفداء، والأخوة والصحبة، والصبر والنصر، والتوكل واليقين، وجعلها الله فاتحة للخير وطريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته المدنية الإسلامية، ولم تكن قريش تعلم أن الله أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وبينما هم يحيكون مؤامرتهم كان النبي صلى الله عليه وسلم قد غادر بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر من السنة الرابعة عشر من البعثة وأتى إلى دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وقت الظهيرة متخفيا على غير عادته، ليخبره بأمر الهجرة، وخشي أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يُحرم شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.



فاستأذن في صحبته فأذن له، وكان قد جهز راحلتين استعدادا للهجرة، واستأجر رجلا مشركا من بني الديل يُقال له عبد الله بن أُريقط الليثي وكان خرّيتا ماهرا وعارفا بالطريق، ودفع إليه الراحلتين ليرعاهما، واتفقا على اللقاء في غار ثورٍ بعد ثلاث ليالي، في حين قامت السيدة عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما بتجهيز المتاع والمؤن، وشقت أسماء نطاقها نصفين لوضع الطعام فيه، فسميت من يومها بذات النطاقين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن يتخلف عن السفر ليؤدي عنه ودائع الناس وأماناتهم، وأن يلبس بردته ويبيت في فراشه تلك الليلة تمويها على المشركين، ثم غادر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه من باب خلفي، ليخرجا من مكة قبل أن يطلع الفجر.



ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار هو طريق المدينة المتجه شمالًا، فقد سلك الطريق الذي يضاده وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور، وانطلق المشركون في آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، يرصدون الطرق، ويفتشون في جبال مكة، حتى وصلوا غار ثور، وأنصت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى أقدام المشركين وكلامهم يقول أبو بكر رضي الله عنه " قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار " لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا" فقال صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" رواه البخاري، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتى انقطع عنهم الطلب، ثم خرجا من الغار ليلة غرة ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من البعثة، تحفهما رعاية الله.

تعليقات