في زاوية غرفة مظلمة، جلست هي، ترتدي فستانًا أحمر يلامس الأرض بخفة، وعينيها مشتعلة بشعلة لا تعرف الهدوء. كانت نظراتها تشبه البحر في عمقها وسحرها، تبتلع من ينظر إليها وكأنه يغرق في لجّة من مشاعر لا مفر منها.
هو، وقف على بعد خطوات منها، أسير نظراتها، عاجز عن التحرك أو التفكير. تذكر كل لحظة مرّت منذ أن رأى تلك العينين لأول مرة، كيف تغلغلت إلى روحه دون استئذان، كيف دمرت كل جدران الحذر التي بناها حول قلبه على مر السنين. كان يعلم أنها غواية تجسدّت في صورة امرأة، وأن قلبه الآن لعبة بين يديها، ولكن ما كان بإمكانه الفكاك من سحرها.
كل ابتسامة منها كانت تطلق سهامًا من الشغف، وكل كلمة تنطقها تُحيي فيه رغبة كانت مدفونة. صوتها، كان موسيقى الليل الهادئ، همسًا يلفظ الكلمات كما يلفظ البحر أمواجه على الشاطئ برقةٍ وقوةٍ في آن واحد. لكن خلف تلك الرقة كانت تخبئ عاصفة من المشاعر المضطربة، مشاعر لا يمكنه سوى أن يتكهن بها.
"لماذا أنا؟" سألها، صوته متقطع من فرط الحيرة والألم. نظرت إليه بعينيها التي كانت تحكي حكايات من الماضي، حكايات نساء قبلها، وعشق وألم وغدر. ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت: "لأنك رأيتني كما أنا، وليس كما يعتقد الجميع."
كان يعلم أنه حتى لو كانت تلك اللحظات ستقوده إلى الهاوية، فإنه لن يستطيع التراجع. كان يعرف أن البقاء بجانبها يعني أن يتحول إلى رماد في نارها المتقدة، لكنه لم يكن يملك الخيار. كانت هي كل شيء الآن، الشمس والقمر والنجوم، وكانت تعرف ذلك.
في لحظة من الصمت، اقتربت منه، وضعت يدها على قلبه، شعر بنبضاتها تتسارع، وكأنها تحاول أن تجد فيه ملاذًا من عواصفها الداخلية. "لا تتركني وحدي"، همست بصوت مبحوح، وكأنها كانت تقاوم دموعها.
وفي تلك اللحظة، أدرك الحقيقة المرة. كانت غوايتها ليست مجرد إغراء، بل كانت صرخة من أجل الحب، من أجل الفهم، من أجل النجاة من عذابات الروح. كانت تلك المرأة التي تبدو قوية كساحرة، مجرد طفلة ضائعة تبحث عن الأمان في عينيه.
انهارت دموعه، واحتضنها بشدة، وكأن احتضانه يمكن أن يمحو كل الآلام. بكى معها، بكى لأجلها، بكى لأجل كل لحظة ضاعت في لعبة الغواية والإغراء، بكى لأنه أدرك كم كانت تلك الروح المعذبة تحتاج إلى حب حقيقي، حب ينقذها من نفسها.
وفي النهاية، كانت تلك الليلة شاهدة على قلوب ملتئمة بالألم، ومحاولة يائسة للبحث عن الخلاص في حضن الآخر. كانت غوايتها قوة تدميرية، ولكنها كانت أيضًا صرخة ألم، بحث عن الحب، ونهاية مؤلمة لقصة بدأت بالغواية وانتهت بالدموع.
تعليقات
إرسال تعليق