جلستْ على الرصيف، يداها المتشققتان ممدودتان تتوسلان بقايا رحمة عابري السبيل. عيناها كانت مغمورة ببحرٍ من الحزن، بحرٍ لا يعبره إلا من عرف ألم الجوع وألم الإهانة وألم الوحدة. في كل يوم، تمر بها الوجوه دون أن تلتفت، وكأنها ظلٌ بائس في لوحة مدينة لا تعرف الرحمة.
في بيتها، هناك حكاية أخرى من الألم. طفلها الصغير، ذو العينين اللامعتين بالبراءة، يتسلق حضنها باحثاً عن أمانٍ لا تستطيع أن تقدمه. زوجها، الذي لا يعرف سوى لغة الغضب والضرب، يعود كل مساء مثقلاً بعبء يومه، ليصبّ عليها جام غضبه. تتحمل إهاناته وشتائمه، تتحمل قسوته التي لا تنتهي، فقط لتبقى على قيد الحياة.
المجتمع ينظر إليها باحتقار، يراها ككائن ناقص، عار على حافة الحياة. يتجنبها الجيران، ويتناقلون قصصها بتهكم. كم مرة مرت بجانب امرأةٍ أنيقة تجر طفلها بيد، وهي تفكر في حجم الفجوة التي تفصل بين عالمين؟ عالم تعيشه بمأساتها، وعالم يتجاهل وجودها.
في الليل، عندما يعود الجميع إلى بيوتهم الدافئة، تبقى هي على قارعة الطريق، تبتسم لطفلها النائم بجانبها، وتحلم بعالمٍ أفضل، حلم لا يتجاوز حدود الخيال. تحلم بأيام لا تعرف فيها الذل، بأيام ترى فيها نفسها كما يجب أن تكون: إنسانة.
لكنها تعلم في أعماقها أن تلك الأحلام بعيدة المنال. تعلم أن كل صباح جديد سيجلب معه نفس الوجوه الباردة، نفس الكلمات الجارحة، ونفس المعاناة التي لا تنتهي. ومع ذلك، لا تزال تجد في قلبها بصيص أمل، أمل ينبعث من ضحكة طفلها، ومن ذكرى أيام كانت فيها سعيدة.
هكذا، تستمر في رحلتها اليومية، كزهرة تذبل في صمت، تنتظر قطرة ماء تحييها من جديد. وفي كل يوم، ترسم دمعة جديدة على وجنة الليل، تحكي بها قصتها التي لن ينصت لها أحد، إلا القليل.
تعليقات
إرسال تعليق