القائمة الرئيسية

الصفحات

الدكروري يكتب عن الشفقة على خلق الله


بقلم / محمـــد الدكـــروري


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، إن تطييب النفوس المنكسرة وجبر الخواطر من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المؤمنين، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة، وهو عبادة جليلة، وقد نص أهل المعتقد من أهل التوحيد والسنة على ذلك حتى في بعض مصنفاتهم في العقيدة، فقال الإمام إسماعيل بن محمد الأصبهاني في كتابه الحجة في بيان المحجة "ومن مذهب أهل السنة التورع في المآكل والمشارب والمناكح، ثم قال ومواساة الضعفاء والشفقة على خلق الله، فأهل السنة يعرفون الحق، ويرحمون الخلق، وأئمة أهل السنة والعلم والإيمان فيهم العدل، والرحمة، والعلم. 




فيريدون للناس الخير، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من احرص الناس على جبر خواطر أمته، فعندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر بسبب فقرهم وأن الأغنياء سبقوهم الى الله تعالى بفضل أموالهم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن جبر خواطرهم وعلمهم الأذكار التي تفيض عليهم بالحسنات والثواب الجزيل، ومن جبر النبي صلى الله عليه وسلم للخواطر أنه كان يعطي أقواما ويترك أقواما لما علم من قلوبهم من صدق وقوة إيمان، وكما جبر خاطر جابر بن عبد الله رضي الله عنه، لما استشهد والده رضي الله عنمهما، فقد استشهد والد جابر رضي الله عنه وترك جابرا ولم يترك له مال بل تركه مدينا وترك له أخوات فاجتمع على جابر رضي الله عنه هم فراق والده وهم الدين وهم الأخوات وشاهده النبي صلى الله عليه وسلم فوجده حزينا فجبر خاطره.




وكما جبر النبي صلى الله عليه وسلم لخواطرنا ولم يرنا، فها هو الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه ونتمنى لو كنا إلى جانبه نذود عنه وننافح عن دعوته، وإن لجبر الخواطر ثوابا عظيما عن الله تعالى فمن سار بين الناس جابرا للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، فإن تطييب الخواطر من مكارم الأخلاق، وهي صفة من صفات اﻷنبياء والصديقين والصالحين، وتطييب خواطر أهل البلاء من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المسلمين، وتطييب النفوس المنكسرة عبادة جليلة، وقد عده بعض العلماء في أبواب الاعتقاد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قوله "صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متّكا" وصاحب ومعية الله ليست الجائزة الوحيدة التي تنتظر العابد الجابر للخواطر بل أن رحمة الله سبحانه وتعالى تنتظر كذلك عباده المحسنين. 




الذين يجبرون الخواطر، حيث يتجاوز الرحمن عن عثرات جابر خواطر عباده المعسرين، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، فمن كان متسامحا مع الآخرين رحيما بهم جابرا خواطرهم يقدر ظروفهم المعيشية، كان الله سبحانه وتعالى رحيما به متجاوزا عنه يوم القيامة، وإن جبر الخواطر أحيانا لا يحتاج منك إلى أن تبذل مالا، أو جهدا كبيرا، ولكن ذلك الموقف عادة لا ينسى، فهذه امرأة من الأنصار دخلت على عائشة رضي الله عنهما في حادثة الإفك وبكت معها فلم تنسي السيدة عائشة رضي الله عنها ما فعلته لأجلها تلك الأنصارية، مع أنها لم تذكر إلا أنها جلست تبكي معها، وكذلك موقف طلحة بن عبيدالله مع كعب بن مالك رضي الله عنهما حين هرول طلحة لاستقباله في المسجد حين تاب الله عليه، فقال كعب "والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة " 



وكما أن جبر الخواطر له أثر طيب في النفوس، فإن كسر الخواطر قد يحدث أثرا سيئا في نفس الإنسان، فرب كلمة قيلت من شخص كانت سببا في تدمير سعادة آخرين، فالكلمة قد تجبر وقد تجرح، الكلمة تصل إلى القلب ويحللها العقل، وربما يستمر التأثير حتى يصل إلى جميع الجوارح، فكم من مبدع قتلت إبداعه كلمات المثبطين، وكم من مريض تحطمت معنوياته بسبب عبارات بعض الزائرين، وكم من مجتهد في عمله أصبح متكاسلا بسبب كسر خاطره وعدم تقدير جهده من المسؤولين، ولكن ينبغي على المسلم أن يحرص على ألا تفت عزمه إساءة الآخرين، أو تجاهل الغافلين، وأن يمضي قدما في همة عالية، كعلو الجبال الراسية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

تعليقات