بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن يوم عرفة.
وإن في هذا اليوم الأغر يجتمع الحجاج من كل أنحاء العالم، وأصقاع البلاد يلبسون زيا واحدا ويلبون تلبية واحدة، فلا فرق بين أعجمي ولا عربي، ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى، ولفضل هذا اليوم قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم"الحج عرفة" وبين أن صيامه لغير الحاج يكفر سنتين، ويمحو ذنوب العباد وتعتق في هذا اليوم الرقاب، والحج وزيارة بيت الله الحرام، وقد بين الله أن الحج فرض على كل من استطاع إليه سبيلا والاستطاعة تفسر بالقدرة المادية والبدنية، واشترط بعض العلماء المحرم بالنسبة للمرأة، ويكفي في فضل الحج ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد" والواجب على المسلم أن يتعلم ويتفقه حتى يؤدي حجه ونسكه بما يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قد يقع في المحظور وهو لا يدري مثل ان لا يقف في حدود عرفة، أو يأتي عرفة بعد خروج وقته، أو يجامع فيفسد حجه، أو ربما قطع شجرا أو قتل صيدا، وقد أمرنا الله أن نسأل أهل العلم فيما أشكل علينا أو اشتبه أمره لنا، ومن الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة أيها الكرام التكبير المطلق وهو مشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وأما المقيد ففي أيام التشريق عقب الصلوات المكتوبات، والحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة الكبرى صبيحة يوم النحر، وصيغة التكبير "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أو يثلث الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" ومن الأعمال الصالحة تلاوة كتابه وقراءة آياته، والتغلغل في مقاصده، والتأمل في مراميه، وقد جعل الله الشفاء والرحمة فيه والهداية والنور، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" متفق عليه، بل جاء في الحديث الصريح الصحيح أن تلاوة القرآن يضاعف أجرها، ويعظم أثرها في قلب المؤمن فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" راوه الترمذي.
فسارعوا قبل فوات الأوان، وحلول الآجال، وتقلب الأيام والأحوال، وقبل أن يأتى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فبادروا إلى استغلال الفرص، وتحين الأوقات الفاضلة، إن ما يقوم به المسلم من أعمال البر والإحسان والصدقة، والمعروف ونوافل العبادة، وخاصة في أيام العشر أثمن عند الله من الذهب الخالص فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام " العبادة فى الهرج كهجرة إلى" رواه مسلم، وقد دعانا الله إلى المسابقة في أمور الآخرة، وتحصيل الثواب في العاجلة، وفي الأيام العشر يوم النحر هذا اليوم العظيم من أيام الله تعالى هو أفضل أيام السنة على الإطلاق لأنه جمع بين أنواع العبادة، وبعده أيام التشريق، وهي أيام الذكر والأكل، وإن في زماننا فتن عظيمة وبلايا كبيرة، ومحن جسيمة، لا يثبت فيها على الدين، إلا من وفقه الله للعمل الصالح والعلم المتين.
حتى أصبح القابض على دينه، المتمسك بتعاليم نبيه، كالقابض على الجمر، أو الماشي على لهيب الحر، والأيام العشر فرصة لكسب الحسنات، وعمل الصالحات، وخاصة الدعاء في عرفات، فقد جاء في الحديث أفضل الدعاء دعاء عرفة، فأكثروا فيه من الدعوات الصالحات، لعموم المسلمين ولمن يتعرضون اليوم للأذى والضرر، والنكبات، ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب من الأدعية المستجابات، وكل منا يتمنى أن يشارك حجاج بيت الله الحرام، ويقف موقفهم في عرفات، وهي منة يتمناها كل منا، ويرجوها غالبنا، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله؛ فمن رحمته ولطفه بعباده، أن نوع العبادة وسهل طرقها لينالوا بذلك الأجر والثواب، ويشاركوا إخوانهم الحجاج فيما هم فيه من الخير والبر وسائر الأبواب.
تعليقات
إرسال تعليق