كتب/ أيمن بحر
يجب أن نعلم أن كل عدل مساواة وليس كل مساواة عدل
فالعدل اسم من أسماء الله الحسنى ومبدأ من مبادئ عقيدتنا وهو شيء أساسى فى الحياة دونه لن يأخذ كل ذى حق حقه قال تعالى:وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ولم يقل بالمساواة فما السبب؟
لو أردت أن تحكم بالمساواة قبل العدل لاقتصر الأمر على العدد وليس على القيمة والقيمة هى مركز الاهتمام وليس العدد
مثال:
اليوم الواحد فيها عدد من الساعات والدقائق والثوانى لكن لو أردنا أن ننظر للأمر بالمساواة قبل العدل فستكون المساواة بالعدد بحيث تقول ساعة واحدة دقيقة واحدة ثانية واحدة ولكن لو نظرنا لها من حيث القيمة فهى لا تساوى يوم لأن الأمر لم يكن فيه عدل وهو إعطاء كل ذي حق حقه فعندما لن تعطى الساعات والدقائق والثوانى حقها لتشكل يوم لم تأخذ أجزاء اليوم ما تستحقه لتكون مساوية له لأن المساواة الحقيقية تكون فى القيمة لا فى العدد ففي اليوم ٢٤ساعة و١٤٤٠دقيقة و٨٦٤٠٠ثانية وعندما لم تأخذ هذه الأرقام ما تستحقه لتكون مساوية له لم تتحقق القيمة فالأرقام مختلفة بالقيمة الرياضية لكنها متساوية فى القيمة الزمنية وكذلك الإنسان فالمساواة تكون في القيمة لا فى العدد وليتحقق ذلك لا بد من وجود العدل فكما تقول الحكمة:"إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة فبالعدل تتحقق المساواة بحقيقتها وهي القيمة وليس العدد
لذلك علينا أن نعدل بين غيرنا وذلك بأن نعطي لكل ذى حق حقه فكما تقول الحكمة: العدل مفتاح المحبة والظلم مفتاح البغضاء كما أن العدل علامة على تقوى الله فقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون والصحابى الجليل الذى قرن اسمه بالعدل هو الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى عرف بعدله بين الناس فلقب بالفاروق فكل الناس من آدم وادم من تراب وكل من فوق التراب تراب فكلنا من خلق الله الواحد نعود لآدم وأمنا حواء فلا أحد أقل أو أعلى شأن من أحد فقد قال رسول الله ﷺ:الناس سواسية كأسنان المشط وقال أيضا: لا فرق بين عربى على أعجمى ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى فقيمة المرء بأخلاقه وقد أوضح عالم الرياضيات الخوارزمى قيمة الإنسان فى معادلة رياضية فقال فيها:
إذا كان الإنسان ذا أخلاق فهو=١
وإن كان ذا مال فأضف إلى الواحد صفر=١٠
وإن كان ذا جمال فأضف صفر آخر=١٠٠
وإن كان ذا حسب ونسب فأضف صفرا آخر=١٠٠٠
فإن ذهب الرقم١وهو الأخلاق ذهبت قيمة الإنسان وبقيت الأصفار قال رسول الله ﷺ : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وكما قال الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقد قال رسول الله ﷺ:اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنه ليس بينها وبين الله حجاب
وفى هذا الحديث نرى العدالة الإلهية بين عباده فهو يستجيب للمظلوم حتى وإن كان كافر ليس حبا للكافر وبغضا للمؤمن بل حبا فى العدل وبغضا للظلم فقد قال رسول اللهﷺ فى الحديث القدسي فيما يروه عن ربه أن الله يقول: يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا
وفى هذا الحديث القدسى نرى رحمة الله بخلقه فهو أرحم الراحمين فقد قال فى كتابه: ورحمتى وسعت كل شىء لذلك على العبد مهما كثرت ذنوبه أن لا ييأس من رحمة الله فقد قال رسول الله ﷺ فى الحديث القدسى فيما يروه عن ربه أن الله يقول: يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى لغفرت لك ولا أبالى وقال تعالى: قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"فلولا رحمته بخلقه ونصرته للمظلومين حتى لو لم يكونوا مسلمين لما كان الكافر بتفويق الله وتوبته على عبده أن يشعر بعظمة خالق الكون وأن يخجل من نفسه ويتوب إلى الله فالرحمة قبل العدل لأنها تآلف بين الناس حتى وإن اختلفوا فى الدين وتشعرهم بالأمان وتجعلهم أخوة متحابين فى الله وهكذا كان سيد الخلق محمد ﷺ رحمة للعالمين فهو أرحم الخلق بالخلق ولولا أن الرحمة تجمع بين الناس من مختلف بقاع الأرض وتجعلهم إخوة نظرا للأسلوب اللين ما كان الله ليقول فى كتابه لأرحم الخلق بالخلق وهو محمد ﷺ : ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ولما قاله لقبله من الأنبياء وهما موسى وهارون فى حق فرعون: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى فالارتقاء فى الأسلوب مطلوب فقد تنوي بغيرك خير وتوقعه فى الشر دون أن تعلم نتيجة أسلوبك فأول ما تقع عين المرء عليه وتتأثر به نفسه هو الأسلوب وليس الكلام لذلك علينا بالرفق فقد قال رسول الله ﷺ : إن الله رفيق يحب الرفق وقال أيضا: إن الرفق لا يدخل فى شيء إلا زانه ولا ينزع من الشىء إلا شأنه وقال: إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
تعليقات
إرسال تعليق