بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين الذي أنزل شريعة الإسلام هدى للناس ورحمة للعالمين، وجعلها لنا صراطا مستقيما يهدي بنا إلى سعادة الدارين، والشكر له أن هدانا إلى الإسلام، وفضلنا على العالمين أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله إمام الخاشعين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبون الطاهرون، الحافظين لحدودك يا ربنا والخاشعين لك، وبعد فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله في أنفسكم، وفي صلواتكم لتفلحوا في دنياكم، ثم أما بعد إن أمر المؤمن كله له خير وليست الأحداث المحزنة تقعدنا عن العمل الجاد المثمر، أو تدفعنا للجلوس في مآتم جنونية، تسحق فيها العقول، وتهدر فيها كرامة المسلم، وتشوه فيها سمعة الإسلام.
ولقد جعل الله في تصرم الأيام والليالي عبرة وآية لكل معتبر وأودع في أيام العام ولياليه خيرا كثيرا لمن تلمسها، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، جل في علاه من إلاه عليم خبير، ولقد شاء الله تعالى أن ينقل عباده بين مواسم طاعاته، ويفتح لهم أبواب فضله، وأغدق عليهم بآلائه ومننه، وأن الحج يشكل مؤتمرا حضاريا تجتمع له الملايين، فالحضارة إنما تتحقق باتصال الشعوب بعضها ببعض، فتقتبس من بعضها الرقي والنمو في المعرفة والسلوك والعلم والصناعة والتجارة وغيرها، وذاك ما يحدث أثناء تأدية فريضة الحج، فما هو المردود النفسي والإجتماعي والأثر الذي يحدثه هذا النسك العظيم على نفوسنا وسلوكنا وحياتنا؟ وهو إن الإلتقاء الذي يحدث بين المسلمين على إختلاف مشاربهم وأجناسهم ولغاتهم أثناء تأدية شعيرة الحج.
كفيل بمعالجة مشاكل المسلمين وتدارس قضاياهم العظيمة من قبيل السلم الإجتماعي، وإرساء دعائم الأخوة الإيمانية، وتكريس مبدأ السلم العالمي، والتعاون الدولي، وحفظ الحقوق، وتنمية الروح الجماعية، وصفاء القلوب، وإبعاد كيد النفس الأمارة بين الناس، وكيد الشيطان في العلاقات داخل الأسر وفي المجتمعات، ومن تأمل الحج ومشاعره التي جعلها الله تعالى محلا لمناسكه وتعظيم شعائره، بان له أن رحلة الحج رحلة مصغرة لحياة الإنسان في الدنيا، وأن الإنسان في الحياة الدنيا يسير كما يسير الحاج منذ أن يتلبس بنسكه إلى أن ينتهي منه، وقد حذر الله عز وجل بني آدم من الدنيا، وبيّن أنها متاع الغرور، فقال تعالى " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" وهو متاع قليل زائل، فكذلك الحج يكون في أيام معدودة ثم تنتهي فقال الله تعالى " واذكروا الله فى أيام معدودات"
لكن كثيرا من الناس ينسون ويغفلون ولا يشعرون بسرعة إنتهاء الدنيا فأملهم فيها طويل، وإن للحج أيام، وفي أيامه أعمال، ففي أوله الإحرام، ثم الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ثم الإنتقال في اليوم الثامن إلى مِنى، والمبيت بها ليلة التاسع، والمسير إلى عرفة في صُبحها، والوقوف بها إلى مغيب الشمس، ثم المبيت بمزدلفة ليلة النحر، والرمي والحلق والنحر، والتحلل والطواف بالبيت يوم العيد، ثم العودة إلى مِنى للمبيت بها ورمي الجمار، إلى أن يودع البيت بالطواف في آخر حجه، وكل هذه التنقلات الزمانية والمكانية في الحج تذكر المؤمن بإنتقاله من زمن إلى زمن في مرضاة الله تعالى ومن طاعة إلى طاعة، فمن صابر على الطاعات ومُجانبة المحرّمات.
فهو مرابط على عهده لله تعالى محقق لقوله سبحانه وتعالى " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" والحاج يعمل في منسكه عملا كثيرا، ويتحمل مشقة كبيرة، ومع ذلك يتم المناسك المأمور بها.
تعليقات
إرسال تعليق