القائمة الرئيسية

الصفحات

كتب محمد الدكروري

كل فرد من الأنفار كان يقف علي رأس خط من خطوط القطن الخضراء، ويسير منحني الظهر، ويقلب في تلك الأعواد للبحث عن اللطعة او العلامة، ويا فرحته من يعثر علي واحدة فيتيه فخرًا بصوت عال): وعلااااااااااااااامة)، ويضعها في الكيس القماش الذي يضعه حول وسطه. وإذا وجد آخر علامة فيرد عليه التحية) وعلامة وعلامة)، ويرد آخر وغيره....إلخ. وفي بداية دورة الدودة كان الخولي يحث الأنفار بالمكافأة لمن يعثر علي علامة بمنحه دقائق يستريح فيها قليلًا من مشقة العمل.
وعندما يصل الأنفار إلي الحمالة( مجري عرضي يقطع الخطوط الطولية وعن طريقه يتم توزيع المياه علي باقي المجاري المنتشرة حول الخطوط لتوزيع المياه عليها)يستريح الأنفار قليلًا ليلتقطوا فيها الأنفاس بعد السير مسافة قد تطول وتقصر حسب امتداد الخط ، وهكذا حتي الوصول إلي حمالة أخري وهكذا، للوصول إلي نهاية الخط ثم ينطلقون إلي خطوط أخري.

وعندما يعثر أحد الأنفار علي أعواد قطن مصابة( كانت تسمي الفانوس)، ينادي النفر علي الفرار : ( فانوس) ، فيسرع إليه ليتعامل مع الفانوس بطريقته الخاصة، يقطع فيها أوراق القطن المصابة ويفركها بيديه ثم يدفنها في ( الشرب بكسر الشين) ويترك الشجرة تمامًا بلا أوراق حتي لا تنتقل العدودي إلي أوراق القطن المجاورة.
رغم التعب والمعاناة اليومية ، كان الأنفار كعادة المصريين في كل ربوع المحروسة يقابلون هذه المعاناة بالغناء العذب الذي ينتشر عبر الحقول .كانت الأغاني أحيانًا عن القطن من قبيل:( القطن لوز يا حكومة عاوزين نتجوز ياحكومة- القطن نور يا حكومة عاوزين نتصور يا حكومة) تعبيرًا عن أهمية هذا المحصول في حياة المصريين، وكذا بعض الأغاني الفلكلورية التي انتشرت في الريف المصري  ونسجها العقل الجمعي في الريف المصري وانتشرت قبل ظهور الإذاعة وووسائل الاتصالات الحديثة بشكلها الحالي، ومن:( يا شومال(شومان) ياراعي الغنم ويؤديعا شخص ويقوم بقية الانفار بدور الكورال كمرددين خلفه- ويا جاموسة حلي الطوق- ويا طالع الشجرة هات لي معاك بقرة تحلب وتسقيني بالمعلقة الصيني..) وغيرها من فلكلوريات الريف المصري التي تعبر عن أفراح وآلام المصريين .
ينتظر الأنفار الساعة العاشرة بفارغ الصبر؛ ليلتقطوا فيها الأنفاس ويستريحوا من عناء ومشقة الساعات التي تقوست فيها أظهرهم عساها تستقيم خلال الفترة البسيطة الممنوحهة لهم.تمتليء فيها الجسور بالأنفار والطرق الزراعية بين الأراضي ،فيهب هؤلاء بوضع لقيمات صغيرة تسد جوعهم لحين وقت الظهيرة.وفجأة يصرخ الخولي في الأنفار للنهوض للعمل وسط توسلات الأنفار لمد وقت الاستراحة .
 أجمل اللحظات ( يوم القبض) 
وذلك عندما يأتي الصراف  لصرف الأجور ؛ فينتشر الخبر بسرعة البرق ( قبل ظهور الموبايلات) وتجد فرحة الأنفار والأغاني بصوت عال متناسين فيها التعب والمشقة ؛ لأنهم سيمسكون في أيديهم نقودًا ورقية.
كانت تقدر قيمة اليوم بعشرة قروش، ويتم تجميع الأيام حتي عشرة أيام وتسمي عند صراف الجمعية ( مدة)، ومن يتم استكمال هذه المدة كان يحصل علي جنيه كاملًا( كانت قيمته عالية جدًا في ذلك الوقت قياسا بقيمته هذه الأيام التي لا تساوي مليمًا)
  
وقد يصادف من يقرأ هذا الموضوع ممن كان خوليًا ويتذكر أيامه الجميلة وذكرياته الغالية في عمله بهذه المهنة كجزء لا يتجزأ من تاريخه،فتجد من كان خوليا وأصبح الآن في مركز مرموق ودرجة رفيعة ..تجد منهم الآن( لواء الشرطة- أستاذ الجامعة- المهندس - المهندس الزراعي- المحامي- مأمور الضرائب- الطبيب- .....الخ)

تعليقات