القائمة الرئيسية

الصفحات

كَيْفَ يُفَكِّرُ ٱلشّٰاعِرُ؟

بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي

يَسِيرُ ٱلشّٰاعِرُ عَلَى خُطًى لَا يَسْلُكُهَا سِوَاهُ، فَهُوَ ٱلرَّائِي فِيمَا لَا يُرَى، وَ ٱلسَّامِعُ فِيمَا لَا يُسْمَعُ. يُفَكِّرُ ٱلشّٰاعِرُ بِقَلْبِهِ كَمَا يُفَكِّرُ بِعَقْلِهِ، فَهُوَ ٱلْمَجْنُونُ وَ ٱلْحَكِيمُ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
يَسْتَمِدُّ ٱلشّٰاعِرُ إِلْهَامَهُ مِنْ مَصَادِرَ مُتَعَدِّدَةٍ: مَنْظَرٌ غَابَ فِي ٱلْأُفُقِ، دَمْعَةُ طِفْلٍ جَائِعٍ، صَوْتُ أُمٍّ تَبْكِي وَلَدَهَا، أَوْ حَتَّى سُكُونُ ٱللَّيْلِ فِي عِزِّ ٱلْوِحْدَةِ. يُمْكِنُ لِكَلِمَةٍ عَابِرَةٍ أَنْ تُوقِظَ عِندَهُ بَحْرًا مِنَ ٱلْمَعَانِي. لَا يَحْكُمُهُ ٱلزَّمَنُ، فَلَحْظَاتُ ٱلْجُنُونِ ٱلْخَلَّاقِ تَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابَ ٱلْبَوْحِ وَ ٱلْخَيَالِ، فَيَنْطَلِقُ قَلَمُهُ كَأَنَّهُ فِي حَالَةِ ٱلْوَجْدِ، يُمْسِكُ ٱلْكَلِمَةَ كَمَنْ يُمْسِكُ ٱلنُّجُومَ.

يُعَبِّرُ ٱلشّٰاعِرُ عَنْ أَحَاسِيسِهِ بِصِدْقٍ وَ شَفَافِيَّةٍ، لِذٰلِكَ تَتَسَلَّلُ كَلِمَاتُهُ إِلَى ٱلْقُلُوبِ دُونَ ٱسْتِئْذَانٍ. وَ فِي فِكْرِهِ، تَسْكُنُ ٱلْأَفْكَارُ كَنَارٍ تَشْتَعِلُ، يُطَوِّعُهَا لِيَصْنَعَ مِنْهَا قَصِيدَةً تُشْعِلُ ٱلْوَعْيَ وَ تُوقِظُ ٱلْإِنسَانَ.

أَمَّا غَايَتُهُ فَهِيَ أَسْمَى مِنَ ٱلشُّهْرَةِ وَ ٱلْمَجْدِ. إِنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ ٱلشِّعْرَ رِسَالَةٌ، وَ عَلَيْهِ كَشَّاعِرٍ أَنْ يَكُونَ صَوْتَ ٱلْحَقِّ، وَ مَنْبَرَ ٱلْعَدَالَةِ، وَ نَبْضَ ٱلْإِنْسَانِ. يُلْتَزِمُ بِقَضَايَا ٱلْمُجْتَمَعِ، يُنَادِي بِٱلْحُرِّيَّةِ، يُنَاضِلُ بِٱلْكَلِمَةِ ضِدَّ ٱلظُّلْمِ، وَ يُوَجِّهُ ٱلضَّمِيرَ ٱلْجَمَاعِيَّ نَحْوَ ٱلْحَقِّ وَ ٱلْخَيْرِ وَ الجَمَالِ.

لَا يَسْعَى ٱلشّٰاعِرُ ٱلْحَقِيقِيُّ إِلَى ٱلشُّهْرَةِ، فَإِنِ ٱتَّخَذَهَا هَدَفًا، ضَلَّ ٱلطَّرِيقَ وَ فَقَدَ ٱلْمَعْنَى. ٱلشُّهْرَةُ تَأْتِي عَرَضًا، أَمَّا ٱلْغَايَةُ فَهِيَ خِدْمَةُ ٱلْحَيَاةِ وَ ٱلنَّاسِ. مَا أَجْمَلَ أَنْ يُقْرَأَ شِعْرُهُ فِي عُيُونِ ٱلْفُقَرَاءِ، وَ يُسْمَعَ فِي أَزِقَّةِ ٱلْأَحْلَامِ، وَ يُزْهِرَ فِي قُلُوبِ ٱلْوَطَنِ.

ٱلشّٰاعِرُ فِي نِهَايَةِ ٱلْمَطَافِ، هُوَ ٱلْإِنْسَانُ، ٱلَّذِي أَبَى أَنْ يَكُونَ صَامِتًا فِي وَجْهِ ٱلْأَلَمِ. صَوْتُهُ صَرْخَةٌ، كَلِمَاتُهُ قَنَادِيلُ، وَ رِسَالَتُهُ نُورٌ فِي ظُلْمَةِ ٱلزَّمَانِ. وَ هَٰكَذَا يَكُونُ ٱلشِّعْرُ حَيَاةً، وَ ٱلشّٰاعِرُ خَادِمًا لِلْحَيَاةِ، لَا سَيِّدًا عَلَيْهَا.

تعليقات